العثرة الثامنة
في زاوية من زوايا المدرسة.. بعيدًا عن مسامع الأخريات يبدأ همس الحديث وهي مستمعة..
أحداهن قالت.. إنه يحبني.. ويريد أن يتزوجني.. وأخرجت من حقيبتها هدية صغيرة.. هذه منه!!
وتحدثت الأخرى عن غضبه وغيرته عليها.. وسؤاله.. كيف تذهبين للسوق بمفردك؟!
أما هي فمستمعة تستعذب الحديث وتستعجب الفعل!! ثم بدأت معهن تذوب في تلك المستنقعات وتضيع في تلك المتاهات.. واتفقت الاثنتان ووجهتا الحديث نحوها.. نبحث لك عن «صديق».. تحادثينه بالهاتف.. تحبينه ويحبك!!؟
تطردين الملل والسأم من حياتك.. فقط مكالمة .. حديث لا يتجاوز الهاتف!!
أيام فإذا هي تعاني من الهموم ساعة ومن الأماني والفرح ساعة أخرى..
بدأ سيل الهواجس والخواطر ينحدر بتفكيرها ولاحظت مدرستها ذلك.. وسألتها: ما بك؟!
ولكنها بررت ذلك بأمر في منزلها.. ومشاكل في أسرتها.. أيام فإذا قلبها معلق بالشاب.. ما قال فعلت.. وما أمر أتت. وما نهى تركت..
أقل من شهر وإذا به قد رآها مرتين عن بعد.. ثم طلب المزيد!!
رجعت يومًا إلى عقلها ووثبت إلى رشدها.. فإذا بجهاز التسجيل يهددها.. والصور تفضحها.. ماذا تفعل وهو يهدد بالفضيحة وينذر بالعار..
إذا لم أرك أرسلتها لوالدك!! وهي تبكي كالطفلة وتترجى عواطفه وتخوفه بالله..
ولكنه يقول لها: لا تلوميني في أي تصرف فأنا محب ولا أصبر عنك. ولدي الاستعداد لعمل أي شيء في سبيل قربك.. إني أحبك!!
أصوات الذائب تعوي في ليل العفة والحياء.. انقلب الحمل المحب الوديع إلى ذئب مفترس ينهش بأنيابه امرأة مسلمة ويطوق بخسته رقاب الفضيلة!!
أختي الحبيبة:
أرأيت ذل المعصية وهوان العاصي.. كل حين تسمعين مثل هذا وأشد.. بل إن بعضهن قتلن بسبب مكالمة هاتفية..
وسمعت بأذني أن إحداهن استعدى عليها «من أسلمت زمامها له» ثلاثة رجال من رفقائه لفعل الفاحشة بها.. وهددها بالفضيحة إن لم تقبل!!
أختي المسلمة:
منزلق المكالمات الهاتفية -القاتلة- منزلق خطير وهاوية لا قرار لها.. فمن إضاعة الوقت وإشغال النفس إلى انتشار الاسم بين الناس والفضيحة بين المسلمين.
وليت الأمر مقصور على ذلك على سوءه فحسب بل هذا بعض ما ينالها في الدنيا.. وهناك في الآخرة الجزاء والحساب..
أيتها الأم المسلمة: ابنتك سواء كبرت في السن أو لا تزال في سن المراهقة يجب أن تحاط بالعناية والتوجيه..
هذا رسول الله r يسأل يومًا ابنته فاطمة رضي الله عنها زوجة علي بن أبي طالب بقوله: «من أين أقبلت؟» لم تغضب رضي الله عنها وهي أم كبيرة في السن عاقلة في التصرف.. ولم تقل ما شأنه.. يتدخل في شئوني؟ بل قالت: «أتيت من أهل ذاك البيت أعزيهم».
أختي المسلمة:
ما يضيرك لو تفقدت ابنتك وأختك وصديقتك.. لماذا نفسر النصيحة والتوجيه أنه تدخل في الخصوصيات.. وأنه تضييق على البنات.. وشك في تصرفاتهن؟!
كوني قريبة منها.. دعيها تبث همومها ومشاكلها لك خير من أن تبحث عن غيرك.. دعيها تحكي أمانيها وترسم أحلامها وأنت تسمعين.. كوني لها الأم والصديقة والأخت..
أختي الحبيبة:
قال الله -جل وعلا-: }وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{ لو تأملت الآية لوجدت أن الله -جل وعلا- يحذر من القرب من دواعي الزنا ومن وسائله وحبائله ولم يقل سبحانه (ولا تزنوا).. لأن الزنا لا يقع فجأة.. بل له مقدمات وإرهاصات.. ولا شك أن من أشد وسائله وأسهل حبائله المكالمات الهاتفية.
ما بعد العثرة:
روي أن النبي r لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفًا من رسول الله r أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله r: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا». فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئًا، فقال رسول الله r: «ولا تسرقن» فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ فقال أبو سفيان: وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول الله r وعرفها، فقال: وإنك لهند؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك.
فقال: ولا يزنين.
فقالت: أوتزني الحرة يا رسول الله؟ [الحديث].